الجمعة، 29 مارس 2013

إيضاح البيان لأسرار القرآن: عن المكلفون شرعا في الولاية بالأمر والنهي على العباد



 
إيضاح البيان لأسرار القرآن عن: من هم المكلفون شرعا في الولاية 
بالأمر والنهي على العباد

السؤال
من له الحق في الأمر والنهي على العباد
الإجابة
ليس لأحد الحق في الأمر والنهي على العباد
لقول رَسُولُ اللَّهِ (ص) : " … وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِلْعِبَادِ مِنَ الأَمْرِ شَيْئًا ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ،لِقَوْلِهِ ": أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ":سورة الأعراف آية 54 " حديث مرفوع  
ولكن صحيح السؤال
من هم الذي أوكلهم الله تعالى في تنفيذ أمره

وما هي الضوابط الشرعية في المكلف بالأمر على الغير ؟

وما هي الضوابط الشرعية في الأمر نفسه؟

 الإجابة

أولا: الله تعالى هو صاحب الأمر جميعا:
ففي الحديث "حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى ، قَالَ : ثنا إِسْحَاقُ ، قَالَ : ثنا هِشَامٌ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ ، قَالَثني عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الأَنْصَارِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الشَّامِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ،وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" مَنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ عَلَى مَا عَمِلَ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ ، وَحَمِدَ نَفْسَهُ ، قَلَّ شُكْرُهُ وَحَبِطَ عَمَلُهُ ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِلْعِبَادِ مِنَ الأَمْرِ شَيْئًا ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ ، لِقَوْلِهِأَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ"سورة الأعراف  54  حديث مرفوع 

وقال تعالى"وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا …(31)الرعد
- وقوله"…وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ.. "هود
- وقوله"يَقُولونَ هَلْ لَنَا مِنْ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ ….. (آل عمران)
الخلاصة: فالأمر جميعا لله فهو صاحب الكون والخلق قال تعالى للنبي(ص)"لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ(آل عمران)
&- ثانياً:من أوكلهم الله تعالى في تنفيذ أمره:
نبينا المصطفى(ص) جعله الله على شريعة من الأمر: قال تعالى: "ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ(18) الجاثية (قال بن عباس في"القرطبي"أي علىهدى من الأمر)"
- وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا(36 الاحزاب
&- الأئمة المهديين جعلهم الله يستنبطون أمره:" وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا(83)النساء
يقول القرطبي في تفسيرها(الأستنباط هو الأستخراج وهو يدل على الأجتهاد عند غياب النص والأجماع)أنتهي
- أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ ………..(90)الأنعام
- قال تعالى"وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ(73)الأنبياء
- وقال" فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ….. (15الشورى
- وقال تعالى"وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ….(48)المائدة
فالأمر كله لله ، والأمر كلمة شاملة وجامعة لتشمل:
1 – شرعه: ……………….. " لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا"
2 – وحكمه : ………………. " فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ"
3- ومنهاج الدعوة إليه : ……. "" فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ"
4- ومن أوكلهم الله في تنفيذ أمره على عباده:"وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا"
الشاهد: أوكل الله على أقامة أمره في (شرعه،وحكمه ،والدعوة إليه) إلى الأنبياء، والعلماء، والحكام، وكل راع في رعيته .

لتنعقد لهؤلاء المكلفون"الولاية على الأمر"
1- فالأنبياء : مكلفون بالأمر في الأرض لإقامة أمر الله:
-قال تعالى"يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ(26)ص
- وقال تعالى للرسول (ص): "… فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(48)فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ(49)المائدة
&- وطاعة الرسول واجبة: قال تعالى " من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا"80النساء
- وقال"..وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (الحشر
&-ما هو الحكم على من يشاقق الرسول (ص):قال تعالى وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا(115)النساء
2- والعلماء: مكلفون بالأمر في الأرض لإقامة أمر الله:قال تعالى"وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ"آل عمران ، ومعنى" أُمَّةٌ"أي جماعة:والجماعة التي تدعوا إلى الخير هم العلماء ورثة الأنبياء
النتيجة:
فالفقية والقاضي والداعية والقائمون على تحصيل الزكاة والقائمون على أقامة الصلاة والقائمون عن النهي عن المنكر والقائمون على تقويم الأسر وإصلاحها …الخ ،فجميعهم مكلفون لإقامة أمر الله
-" شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(ال عمران ) يقول القرطبي في تفسيرها: قال (ص): (إن العلماء ورثة الأنبياء)وقال(ص):(العلماء أمناء الله على خلقه).
- قال تعالى يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(المجادلة
الخلاصة:
طاعة العلماء واجبة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا(59)النساء
&-أما الحكم على من يشاقق عليهم :حديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري في ذكر الأولياء قوله تعالى من عاد لي وليا فقد آذنته بالحرب .
3- والأمراء والحكام مكلفون بالأمر في الأرض لإقامة أمر الله:
- قال تعالى"….وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) النساء
في تفسير بن كثير قال :… وقوله "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" أمر منه تعالى بالحكم بالعدل بين الناس ولهذا قال محمد بن كعب وزيد بن أسلم وشهر بن حوشب إن هذه الآية إنما نزلت في الأمراء يعني الحكام بين الناس وفي الحديث "إن الله مع الحاكم ما لم يجر فإذا جار وكله إلى نفسه"
وفي الأثر "عدل يوم كعبادة أربعين سنة" وقوله "إن الله نعم ا يعظكم به" أي يأمركم به من أداء الأمانات والحكم بالعدل بين الناس بغير ذلك من أوامره وشرائعه الكاملة العظيمة الشاملة….(أنتهى)
في مسند شهاب ج1 ص 336:عن الحسن عن أبي بكرة عن النبي(ص)قال كما تكونون يولى أو يؤمر عليكم
&- طاعة الأمراء والحكام واجبة:
ففي صحيح البخاري قال "حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله عن يونس عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني.( ثابت في الصحيحين)
-وفي صحيح مسلم1836: وحدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد كلاهما عن يعقوب قال سعيد حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص) عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك.
-وفي صحيح مسلم 1837وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعبد الله بن براد الأشعري وأبو كريب قالوا حدثنا بن إدريس عن شعبة عن أبي عمران عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال إن خليلي أوصاني إن أسمع وأطيع وإن كان عبدا مجدع الأطراف.
&- حكم الشقاق على الحاكمفي صحيح مسلم ج 3 ص 1474:حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا عبد الوارث حدثنا الجعد حدثنا أبو رجاء العطاردي عن بن عباس عن رسول الله (ص) قال من كره من أميره شيئا فليصبر عليه فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبرا فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية.
- وفي صحيح مسلم ج 3 ص 1474: حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا جرير يعني بن حازم حدثنا غيلان بن جرير عن أبي قيس بن رياح عن أبي هريرة عن النبي (ص) أنه قال من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاش من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه.
&-وفي صحيح مسلم ج 3 ص 1474: قال حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك بن حرب عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله (ص) فقال يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا فأعرض عنه ثم سأله فأعرض عنه ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس وقال اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم.
-وقال تعالى" الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ(27)البقرة
في تفسير بن كثير :لهذه الأية :قال شعبة عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد قال: سألت أبي فقلت قوله تعالى "الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه" إلى آخر الآية فقال: هم الحرورية وهذا الإسناد وإن صح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فهو تفسير على المعنى لا أن الآية أريد منها التنصيص على الخوارج الذين خرجوا على علي بالنهروان فإن أولئك لم يكونوا حال نزول الآية وإنما هم داخلون بوصفهم فيها مع من دخل لأنهم سموا خوارج لخروجهم عن طاعة الإمام والقيام بشرائع الإسلام والفاسق في اللغة هو الخارج عن الطاعة
&-أضواء البيان ج1 ص 61:تفسير "فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم ( لم يبين هنا سبب اضطراره ولم يبين المراد بالباغي والعادي ولكنه أشار في موضع آخر إلى أن سبب الاضطرار المذكور المخمصة وهي الجوع وهو قوله (فمن اضطر فى مخمصة ) وأشار إلى أن المراد بالباغي والعادي المتجانف للإثم وذلك في قوله ( فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم )والمتجانف المائل ومنه قول الأعشى الطويل فيفهم من الآية أن الباغي والعادي كلاهما متجانف لإثم وهذا غاية ما يفهم منها ، قال بعض العلماء الإثم الذي تجانف إليه الباغي هو الخروج على إمام المسلمين وكثيرا ما يطلق اسم البغي على مخالفة الإمام والإثم الذي تجانف إليه العادي هو إخافة الطريق وقطعها على المسلمين ويلحق بذلك كل سفر في معصية الله.
4 – الراع في رعيته: مكلف بالأمر لتطبيق شرع الله في رعيته: ففي صحيح البخاري :- حدثنا إسماعيل حدثني مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله (ص) قال ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسئولة عنهم وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته .
حق المتبوع على التابع بالطاعة لأمره:قـال تعالى : "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا(59)النساء
مسئولية المتبوع على التابع:في صحيح البخاري 6732 حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا حسين الجعفي قال زائدة ذكره عن هشام عن الحسن قال أتينا معقل بن يسار نعوده فدخل علينا عبيد الله فقال له معقل أحدثك حديثا سمعته من رسول الله (ص)فقال ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة.
  


 الضوابط الشرعية للمكلفين بالأمر على الغير

قال تعالى " أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(54)الأعراف
سبق وأن عرفنا بأن أمر الله تعالى كلمة جامعة شاملة (لتشريعه وحكمه ومنهاج الدعوة إليه ) وقد أوكل الأمر لمن كلفهم الله من عبادة ليأمرون بأمره(الأنبياء والعلماء والحكام (ومن ينوب عنهم)والراع في رعيته.
وذلك وفقا لضوابط ومعايير محددة على النحو التالي : - قال تعالى :"وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِفَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًاوَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ "48المائدة
يقول القرطبي في تفسيرهلقوله تعالى (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا):
…. والشرعة والشريعة الطريقة الظاهرة التي يتوصل بها إلى النجاة. والشريعة في اللغة: الطريق الذي يتوصل منه إلى الماء. والشريعة ما شرع الله لعباده من الدين; وقد شرع لهم يشرع شرعا أي سن. والشارع الطريق الأعظم. والشرعة أيضا الوتر, والجمع شرع وشرع وشراع جمع الجمع; عن أبي عبيد; فهو مشترك.والمنهاج الطريق المستمر, وهو النهج والمنهج, أي البين; …..الخ أنتهي
الخلاصة: في الآية الكريمة "لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْشِرْعَةً وَمِنْهَاجًا "
وضع الله تعالى شروط لنبيه (ص) لابد أن تتوافر لكي يحكم بين الناس :
1- التصديق والإيمان الكامل بكتاب اللهلقوله( مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ )
2- العلم الكامل بكتاب الله لقوله تعالى(وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ )
- وعلى ذلك لابد أن تتوافر تلك الشروط (الإيمان والعلم) لكل مكلف على أمر الله في (شرعهأوحكمة أوالدعوة إليه )كالمكلف بالتشرع (كالفقية) والمكلف على الحكم بين الناس(كالقاضي)والمكلف بالدعوة (كالداعية)
فأمر الله تعالى كلمة جامعة (للتشريع والحكم وللدعوة إليه..الخ) فكل واحدة منهم شرعة منفردة من أمر الله تعالى، وعلى كل شرعةمكلف ليأمر وفقا للمنهاج الذي حددة الله في كل شرعة كالأتي:
أولا:صفة المكلف في كل شرعة:
كالمكلف بأمر التشريع أو المكلف بأمر الحكم بين الناس أو المكلف بأمر الدعوة (يشترط فيه):
1- أن يكون مصدقا لكتاب الله (مؤمن به)
2- عالم بكتاب الله ( وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ).
ثانيا :الإلتزام بالمنهج في داخل كل شرعة :
1 – ففي التشريع:
منهج المكلف بالتشريع (كالفقية) مبني على الإستنباط مما شرعه الله
فالضابط الشرعي للفقيه :
أن يكون مصدق بكتاب الله ومؤمنا به ، وعالم وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ لتكون المنهجية الفقهية لدية قائمة على الأستنباط لأحكام الله.
-قال تعالى"وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الْأَمْرِمِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)النساء
- "ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ(18)الجاثية
2– أما في الحكم بين الناس: فالمكلف بالتقاضي (كالقاضي المنيب من الحاكم) يجب أن تكون منهجية التطبيق في حكمه بين الناس وفقا لما أنزل الله من أحكام في الكتاب والسنة وأجتهاد الأئمة.
فالضابط الشرعي للقاضي :
- أن يكون مصدق بكتاب الله ومؤمنا به ، وعالم وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ
ليكون منهجة حكمة قائمة على التطبيق وفقا لما أنزل الله من أحكام.
&-"وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ …"الآية
3– وفي الدعوة إلى الله :فمنهجية الدعوة للداعي هي الحكمة والموعظة الحسنة (ولو أسند له أمر بالإلزام)
فالضابط الشرعي للداعية :أن يكون مصدق بكتاب الله ومؤمنا به ، وعالم وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ
أن تكون منهجة الدعوة لدية قائمة على الحكمة والموعظة الحسنة والنصيحة.
- قال "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (النحل
- " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ"
قال تعالى "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ(33)فصلت
الخلاصة:تكتمل الولاية للمكلف بالأمر في الشرعة بتوافر الشروط التي أوجبها الله وهي:
أولا:صفة المكلف وهي (الإيمان والعلم )وعند فقد الشرط في صفة المكلف لاينعقد له التكليف بالأمر:
فالجاهل بالعلم لايستطيع أن يتجاسر بأن يفتي أو أن يقض أو يدعو أو ويجادل ،ولذلك قال علي بن أبي طالب كرم الله وجه حين وصف المتجاسر على الفتوى بغير علم سماه أشباه الناس عالما ولم يفن في العلم يوما سالما(كتاب إبطال الحيل ج1 ص5)
- وصاحب الدم لايستطيع القصاص بنفسه للثأر وإن كان عالما ومصدقا بما أنزل،وذلك لعدم تكليفه
ثانيا:الإلتزام بالمنهج طبقا لكل شرعة وعند فقد الشرط المنهجي لا ينعقد التكليف بالأمر للمكلف:
- فالفقية لايستنبط تشريعة من شرائع أهل الكتاب بحجة أنه تشريع سماوى أو من هواه
-والقاضي لايستطيع أن يبني منهجية حكمه على كتاب غير كتاب الله كالقوانين الوضعية مثلا
-والداعى لايستطيع الخروج في منهجية دعوته عن الحكمة والموعظة الحسنة ولو كان َأمرا بالإلزام (كالقائمون على الفروض كالزكاة وأقامة الصلاة والنهي عن المنكر وتقويم الأسره ويأتي تفصيله )
الخلاصة:شرعية المكلف بالأمر والنهي متوقفة على صفة المكلف والمنهاج لينعقد له التكليف بالأمر.
النتيجة:"قال تعالى"َياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِوَالرَّسُولإِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا(59)النساء
قال الإمام أحمد:حدثنا عبد الرحمن حدثنا همام حدثنا قتادة عن أبي مراية عن عمران بن حصين عن النبي (ص) قال لا طاعة في معصية الله وقوله(فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) قال مجاهد وغير واحد من السلف أي إلى كتاب الله وسنة رسوله وهذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة كما قال تعالى ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله)فما حكم به الكتاب والسنة وشهدا له بالصحة فهو الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال.
ملاحظة: المؤمنين (من غير المكلفين) لهم النصيحة بينهم:
- ففي صحيح مسلم : … عن تميم الداري أن النبي (ص) قال الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم.
ففي تفسير القرطبي ج ص 399 :قال: في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو عن النبي(ص) (بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ( وفي الخبر أيضا من بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله أخذ به أو تركه وقال مقاتل من بلغه القرآن من الجن والإنس فهو نذير له وقال القرظي من بلغه القرآن فكأنما قد رأى محمدا (ص)وسمع منه
قال تعالى يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ.. (المائدة)

الضوابط الشرعية لمن تنعقد لهم الولاية
في الأمر على الغير من بعد المكلفين
بمعنى من هم الذين أوكلهم الله في تنفيذ أمره ونهيه من بعد (الرسل والحكام والعلماء والراع) قال تعالى "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَبِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ(110)آل عمران
- قال "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا(36)الأحزاب
معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما ورد عند العلماء:
قال " أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(44)البقرة
يقول بن كثير:يقول تعالى كيف يليق بكم يا معشر أهل الكتاب وأنتم تأمرون الناس بالبر وهو جماع الخير أن تنسوا أنفسكم فلا تأتمرون بما تأمرون الناس به وأنتم مع ذلك تتلون الكتاب وتعلمون ما فيه على من قصر في أوامر الله؟ أفلا تعقلون ما أنتم صانعون بأنفسكم فتنتبهوا من رقدتكم وتتبصروا من عمايتكم، قال السدي وقال ابن جريج "أتأمرون الناس بالبر" أهل الكتاب والمنافقون كانوا يأمرون الناس بالصوم والصلاة ويدعون العمل بما يأمرون به الناس فعيرهم الله بذلك فمن أمر بخير فليكن أشد الناس فيه مسارعة.
-قال الإمام أحمد بن حنبل " حدثنا وكيع حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد هو ابن جدعان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار- قال قلت من هؤلاء؟ قالوا خطباء أمتك من أهل الدنيا من كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون"
- قال الإمام أحمد عن حديث رسول الله(ص)"يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق به أقتابه فيدور بها في النار كما يدور الحمار برحاه فيطيف به أهل النار فيقولون يا فلان ما أصابك ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه" ورواه البخاري ومسلم من حديث سليمان بن مهران الأعمش
وروى ابن عساكر في ترجمة الوليد بن عقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن أناسامن أهل الجنة يطلعون على أناس من أهل النار فيقولون بم دخلتم النار؟ فو الله ما دخلنا الجنة إلا بما تعلمنا منكم فيقولون إنا كنا نقول ولا نفعل" ورواه ابن جرير الطبري عن أحمد بن يحيى الخباز
وقال الضحاك عن ابن عباس إنه جاءه رجل فقال: يا ابن عباس إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر قال أبلغت ذلك؟ قال أرجو قال إن لم تخش أن تفتضح بثلاث آيات من كتاب الله فافعل قال وما هن؟ قال قوله تعالى"أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم" أحكمت هذه؟ قال لا قال فالحرف الثاني قال قوله تعالى "لم تقولون ما لا تفعلون؟ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" أحكمت هذه؟ قال لا قال فالحرف الثالث قال قول العبد الصالح شعيب عليه السلام "وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح" أحكمت هذه الآية؟ قال لا قال فابدأ بنفسك 
وروي عن النبي (ص)أنه قال: (من فتح عليه باب من الخير فلينتهزه فإنه لا يدري متى يغلق عنه ). وروي عنه (ص)أنه قال: (لكل شيء ثمرة وثمرة المعروف السراح ). وقيل لأنوشروان: ما أعظم المصائب عندكم ؟ قال: أن تقدر على المعروف فلا تصطنعه حتى يفوت.، ومن شرط المعروف ترك الامتنان به وترك الإعجاب بفعلهلما فيهما من إسقاط الشكر وإحباط الأجر.
الخلاصة " أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَفالأمر جميعا لله وله شقين في التكليف:
الأول:لنأتمر بما أمر الله علينا من فروض وحدود و ننتهي عما نهي الله عنه "كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ(عبس)
الثاني:لنأمر على الغير بما أ مر الله به ،ولننهى الغير عما نهى الله عنه"وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا"طه.
س- فماهي الضوابط على هذا الأمر ليكون ملزما على الغير، ومتي تنعقد الولاية للأمر على الغير.
فقد شرحنا من قبل من هم المكلفون بالأمر على الغير فقد جاء التكليف صريحا بالأمر أو الحكم على الغير لكل من الأنبياء والعلماء والأمراء وكل راعي فقط، ضمن الضوابط الشرعة والمنهاج، أما مادون ذلك فلم يجئ لهم التكليف بالأمر على الغير صراحة.
في الباب التالي سنوضح :-
أ- ماهي الضوابط في الأمر ليكون ملزما
ب- ومتي تنعقد الولاية للأمر على الغير

أ- ماهي الضوابط في الأمر ليكون ملزما
(سواء على النفس أو على الغير)
هناك شروط يجب أن تتوافر في الأمر الألهي ليكون ملزما في الأداء أو في النهي:
1- أن يكون الأمر الإلهي قد جاء بصيغة الإلزام في الأمر أو في النهي( بأفعل أو لاتفعل ) أي بأداء عمل أو بالنهي عن عمل ، ليكون الأمر على سبيل الوجوب أو على سبيل النهي ومثل ذلك:"وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
- وفي سنن النسائي:قال حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مَخْلَدٌ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ رَأَى مُنْكَرًا فَغَيَّرَهُ بِيَدِهِ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ فَغَيَّرَهُ بِلِسَانِهِ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِلِسَانِهِ فَغَيَّرَهُ بِقَلْبِهِ فَقَدْ بَرِئَ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ
- قالY" وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا(32)الإسراء
قال Y "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(33الأعراف
الخلاصة:
فلا ينعقد الأمر إذا لم يجئ بصيغة الإلزام ليأتمر العبد أو ليأمر به - فعلى سبيل المثال خصال الفطرة لم تجئ بصيغة الإلزام في النص الشرعي ولكن جاءت في المستحبات فلا يأمر فيها بالإلزام( إلا إن كان هناك نص خاص يحرم شئ منها فيكون ملزما إذا أكتملت شروط الأمر كاملة)
2- أن يكون موضوع الأمر أو النهي مطابقا لقصد الشارع في ما فرضه أو في ما نهي عنه : فقد يكون قصد المشرع بالنهي في أمر قد شرعه على وجوب الإلزام ولكن بسبب اقتران الأمر بعوامل خارجة عن الأمر،جعلت الأمر منهي عنه .
مثال ذلك : - الأمر بالصلاة فهي من الأمور التي فرضها المشرع ووضع لتركها عقوبة، ولكن لظرف المكان (كالصلاة في المقابر) فلايجوز الأمر بإقامتها هناك لوجود نص من المشرع يحرم ذلك.
- وكذلك قد يكون المنع متعلق بظرف الزمان فلا يجوز الأمر في إقامة صلاة مكتوبة قبل دخول وقتها على مقيم وبدون عذر ، وإن كان الآمر للصلاة مسافرا وكان الجمع له جائز
وكذلك في دفع الظلم ، أو في النهي عن الفواحش: فهي من الأوامر التي شدد عليها الشارع بالتصدي لها ولكن قد يكون بسبب اقتران هذا الأمر بعوامل خارجة عنه تجعل هذا الأمر لا يمكن الأمر به أو التجاوز فيه لإنتهاكه لنصوص شرعية قصد منها الشارع المحافظة فيها على الحرمات فعلى سبيل المثال :
-ففي تغيير المنكر : فعمر بن الخطاب رضي الله عنه علم بوجود منكر يرتكب في منزل (وهو شرب الخمر) فقام مسرعا قاصدا هذا المنزل لإزالة هذا المنكر الذي حرمه الله ، ولكن عمر بن الخطاب تجاوز قصد الشارع في أزالة هذا المنكر بدخوله للمنزل عن طريق التسلل بتسلق الجدار فتصادم بذلك مع نص شرعى قصده الشارع بالتحريم لحرمات المنازل بقوله تعالى" يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون)
- وقوله ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ(29)النور.
وفي دفع الظلم: نجد أن موسى عليه السلام قد تدخل لرفع الظلم عن عبد ضعيف يعتدى عليه، فتدخله كان مشروعا لوقف الأعتداء ، ولكن موسى تجاوز قاعدة الدفاع المشروع وقام بقتل المعتدى، فتصادم بعمله هذا مع قصد الشارع في النص الشرعي الذي حرمه الله على أمة موسى (وعلى جميع الأمم) بقوله تعالى "… مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا…المائدة" فتجاوز موسي قاعدة دفع الظلم مع قصد المشرع ، ولولا أستغفار موسى عن تجاوزة لمات مشركا بعمله" أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا(43)الفرقان
قال تعالى" قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(16)القصص
قال تعالى" فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَامُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِينَ(19)القصص
الشاهد :قال تعالى "قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(151)الأنعام
في تفسير بن كثير: إلى قوله "جاء في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة وفي لفظ لمسلم والذي لا إله غيره لا يحل دم رجل مسلم وذكره قال الأعمش فحدثت به إبراهيم فحدثني عن الأسود عن عائشة بمثله وروى أبو داود والنسائي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلات خصال زان محصن يرجم ورجل قتل متعمدا فيقتل ورجل يخرج من الإسلام وحارب الله ورسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض وهذا لفظ النسائي،وعن أمير المؤمنين عثمان بن عفان أنه قال وهو محصور: (وهو محبوس من المآتمرين على قتله): سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه أو زنى بعد إحصانه أو قتل نفسا بغير نفس فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام ولا تمنيت أن لي بديني بدلا منه بعد إذ هداني الله ولا قتلت نفسا فبم تقتلوني؟.
رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن وقد جاء النهي والزجر والوعيد في قتل المعاهد وهو المستأمن من أهل الحرب فروى البخاري عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قتل معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله فلا يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا رواه ابن ماجه والترمذي وقال حسن صحيح وقوله "ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون" أي هذا مما وصاكم به لعلكم تعقلون عن الله أمره ونهيه. أنتهى تفسير بن كثير (151)في سورة الأنعام
3-الأمر الملزم أو النهي الملزم هو المرتبط بعقوبة عند المخالفة: فلايجوز الأمر في صلاة النوافل فلم يضع المشرع عقوبة على تركها وكذلك لايجوز الأمر في صوم التطوع وأمور الإستحسان الذي يتقرب بها العبد إلى الله وليس على تركها عقوبة…الح ،
-كقوله تعالى " لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ…"البقرة
الخلاصة :الأمر الملزم أو النهي الملزم هو الذي توافرت فية الشروط السابقة لنأتمر به ويحق لصاحب الولاية في الأمر على الغير بما أمر به الله من معروف أو ينهى عما نهي به الله من منكر

ب- متي تنعقد الولاية في الأمر على الغير
قال تعالى "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَبِالْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ …"آل عمران
السؤال متي تنعقد الولاية في الأمر والنهي على الغير:قال تعالى " الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ(41)الحج
ففي تفسير القرطبي : قال الزجاج: "الذين" في موضع نصب ردا على "من", يعني في قوله: "ولينصرن الله من ينصره". وقال غيره: "الذين" في موضع خفض ردا على قوله: "أذن للذين يقاتلون" ويكون "الذين إن مكناهم في الأرض"أربعة من أصحاب رسول الله (ص)لم يكن في الأرض غيرهم. وقال ابن عباس: (المراد المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان). وقال قتادة: هم أصحاب محمد (ص). وقال عكرمة:هم أهل الصلوات الخمس.
وقال الحسن وأبو العالية: هم هذه الأمة إذا فتح الله عليهم أقاموا الصلاة. وقال ابن أبي نجيح: يعني الولاة. وقال الضحاك: هو شرط شرطه الله عز وجل على من أتاه الملك; وهذا حسن،
وقال سهل بن عبدالله: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على السلطان وعلى العلماء الذين يأتونه. وليس على الناس أن يأمروا السلطان; لأن ذلك لازم له واجب عليه, ولا يأمروا العلماء فإن الحجة قد وجبت عليهم.
النتيجة: تنعقد الولاية في الأمر والنهي بمجرد أن يتوافر شرط التمكين لما فرضه الله أو نهى لقوله عز وجلقال تعالى " الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ(41)الحج، وسوف نطبق شرط التمكين على بعض من الفروض والحدود التي يشترط فيها التمكين لتنعقد الولاية بالأمر:-
&- الأمر بأقامة الفرائض والنهي عن المنكر

الأمر والنهي جاء على وجوب الإلزام:
أ- ففي الأمر: - قال تعالى وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ"
- وفي صحيح البخاري قال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْفَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ
*- ففي أقامة الصلاة : قال تعالى"فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ(4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ(5) المعون
- وقال تعالى(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا(59)مريم
- وروى مسلم عن أبي هريرة قال أتى النبي(ص) رجل أعمى فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله(ص) أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال( هل تسمع النداء بالصلاة ) قال نعم قال ( فأجب).
- وروى أبو داود عن أبي هريرة قال قال رسولالله (ص) ( لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا حزما من حطب ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست لهم علة فأحرقها عليهم أنتهى (لعظمها ولحرمات المنازل)
- وفي الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سأل رسول الله (ص) أي العمل أحب إلى الله قال( الصلاة على وقتها )
-أما الزكاةفجاء في الصحيحين من رواية أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل له يوم القيامة صفائح من نار فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار(أنتهى) قال تعالى " يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ(35)التوبة(ومحاربة أبو بكر لمن أمتنع عن دفع الزكاة)
ب- أما في مانهي الله عنه : قال تعالى " قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(33)الأعراف
الشاهد: فالصلاة والزكاة من الفرائض الواجبة على كل مسلم التي أمر بها المشرع ولايصح الإيمان إلا بأدائهما وكذلك تحريم الفواحش فالعبد يؤتمر بالفرائض والحدود ولو بالإلزام ولكن الوجوب في الأمر عل الغير بالإلزام متوقف على شرط التمكين لقوله تعالى" الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ(41)الحج
- ليكون الشرط في الأمر بالإلزام على الغير متوقف على التمكين من الفئة التي يتم تمكينها من الذين يدعون للخير من العلماء(فهم ورثة الأنبيلاء وتتوافر فيهم الشرعة والمنهاج)لقوله تعالى "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ"آل عمران"
ليكون بالإضافة إلى فقههم ودعوتهم إلى الله"التي تشترط الحكمة والموعضة الحسنة"صفة أضافية أخرى وهي الصفة الجبرية في الأمر بالإلزام على الغير عند التمكين بإختيارهم.
الشاهد: جاء في تفسير القرطبي:لقوله "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ :…. الخ قال الضحاك: هو شرط شرطه الله عز وجلعلى من أتاه الملك; وهذا حسن، وقال سهل بن عبدالله: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرواجب على السلطان وعلى العلماء الذين يأتونه.(أنتهي)
دليل وجوب الطاعة:" الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(157)الأعراف
قال تعالى" يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَوَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا(59)النساء
الخلاصة : فالتمكين شرط للأمر بالإلزام على الغير (من العلماء الذين يتم أختيارهم لكل شرعة) ومع ذلك لا يسقط هذا حق المؤمنين في التعاون على البر والتناصحبينهم
- قال تعالى" وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(71)التوبة
- وقال الإمام أحمد في مسنده:" قام رجل إلى النبي(ص) وهو على المنبر, فقال: يا رسول الله أي الناس خير ؟ قال خير الناس أقرؤهم وأتقاهم لله, وآمرهم بالمعروف, وأنهاهم عن المنكر, وأوصلهم للرحم"
ففي صحيح مسلم :حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن جرير قال بايعت رسول الله (ص) على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم

&- الأمر بالجهاد في سبيل الله
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
"وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ(193)البقرة"
الشاهد: الجهاد فريضة واجبة على كل مسلم ويتمني كل مسلم أن ينال الشهادة في سبيل الله ولكن شرط أداء هذا الواجب ، والأمر عليه بالإلزام متوقف على شرط التمكين لقوله تعالى" الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ" والتمكين يكون عند فتح باب الجهاد بأمر من ولي الأمر ضد من يقاتلنا لقوله تعـــالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ(38)التوبة
إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(التوبه
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(35)المائدة
النتيجة: لا يستطيع أي مسلم أن يقتل معاهدا من باب أعتقاده بأنه يجاهد في سبيل الله وذلك لتخلف شرط التمكين بفتح باب الجهاد من الولي، وإذا قتل المعتقد بالجهاد فلا يكون شهيدا وإنما يخلد في النار .
الشاهد- قال تعالى " لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق